الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **
وإذا أوصى بأكثر من الثلث فأجاز الوارث الوصية, وقال: إنما أجزتها ظنا أن المال قليل فبان كثيرا فإن كانت للموصي بينة تشهد باعترافه بمعرفة قدر المال أو كان المال ظاهرا لا يخفى عليه, لم يقبل قوله إلا على قول من قال: الإجازة هبة مبتدأة فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله وإن لم تشهد بينة باعترافه بذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الإجازة تنزلت منزلة الإبراء, فلا يصح في المجهول والقول قوله في الجهل به مع يمينه لأن الأصل عدم العلم ويحتمل أن لا يقبل قوله لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره, كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار وإن أوصى بمعين كعبد أو فرس يزيد على الثلث فأجاز الوصية بها, ثم قال: ظننت المال كثيرا تخرج الوصية من ثلثه فبان قليلا أو ظهر عليه دين لم أعلمه لم تبطل الوصية لأن العبد معلوم لا جهالة فيه ويحتمل أن يملك الفسخ لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه, فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة فملك الرجوع كالمسألة: التي قبلها. ولا تصح الإجازة إلا من جائز التصرف فأما الصبي والمجنون والمحجور عليه لسفه فلا تصح الإجازة منهم لأنها تبرع بالمال, فلم تصح منهم كالهبة وأما المحجور عليه لفلس فإن قلنا: الإجازة هبة لم تصح منه لأنه ليس له هبة ماله وإن قلنا: هي تنفيذ صحت. قال: [ومن أوصى له, وهو في الظاهر وارث فلم يمت الموصي حتى صار الموصى له غير وارث فالوصية له ثابتة لأن اعتبار الوصية بالموت] لا نعلم خلافا بين أهل العلم, في أن اعتبار الوصية بالموت فلو أوصى لثلاثة إخوة له متفرقين ولا ولد له, ومات قبل أن يولد له ولد لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بالإجازة من الورثة وإن ولد له ابن, صحت الوصية لهم جميعا من غير إجازة إذا لم تتجاوز الوصية الثلث وإن ولدت له بنت جازت الوصية لأخيه من أبيه وأخيه من أمه, فيكون لهما ثلثا الموصى به بينهما نصفين ولا يجوز للأخ من الأبوين لأنه وارث وبهذا يقول الشافعي وأبو ثور, وابن المنذر وأصحاب الرأي وغيرهم ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ولو أوصى لهم, وله ابن فمات ابنه قبل موته لم تجز الوصية لأخيه من أبويه, ولا لأخيه من أمه وجازت لأخيه من أبيه فإن مات الأخ من الأبوين قبل موته لم تجز الوصية للأخ من الأب أيضا لأنه صار وارثا. ولو أوصى لامرأة أجنبية, أو أوصت له ثم تزوجها لم تجز وصيتهما إلا بالإجازة من الورثة وإن أوصى أحدهما للآخر, ثم طلقها جازت الوصية لأنه صار غير وارث, إلا أنه إن طلقها في مرض موته فقياس المذهب أنها لا تعطي أكثر من ميراثها لأنه يتهم في أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية فلم ينفذ لها ذلك, كما لو طلقها في مرض موته أو أوصى لها بأكثر مما كانت ترث. وإن أعتق أمته في صحته ثم تزوجها في مرضه صح, وورثته بغير خلاف نعلمه وإن أعتقها في مرضه ثم تزوجها وكانت تخرج من ثلثه, فنقل المروذي عن أحمد أنها تعتق وترث وهذا اختيار أصحابنا وهو قول أبي حنيفة لأنها امرأة نكاحها صحيح ولم يوجد في حقها مانع من موانع الإرث, وهي الرق والقتل واختلاف الدين فترث كما لو كان أعتقها في صحته وقال الشافعي: تعتق ولا ترث لأنها لو ورثت لكان إعتاقها وصية لوارث, فيؤدي توريثها إلى إسقاط توريثها لأن ذلك يقتضي إبطال عتقها فيبطل نكاحها ثم يبطل إرثها فكان إبطال الإرث وحده وتصحيح العتق والنكاح أولى. وإن أعتق أمة لا يملك غيرها, ثم تزوجها فالنكاح صحيح في الظاهر فإن مات ولم يملك شيئا آخر, تبين أن نكاحها باطل ويسقط مهرها إن كان لم يدخل بها وهذا قول أبي حنيفة والشافعي ويعتق منها ثلثها, ويرق ثلثاها فإن كان قد دخل بها ومهرها نصف قيمتها عتق منها ثلاثة أسباعها ويرق أربعة أسباعها وحساب ذلك أن تقول: عتق منها شيء, ولها بصداقها نصف شيء وللورثة شيئان فيجمع ذلك فيكون ثلاثة أشياء ونصفا, نبسطها فتكون سبعة لها منها ثلاثة ولهم أربعة, ولا شيء للميت سواها فنجعل لنفسها منها ثلاثة أسباعها يكون حرا والباقي للورثة وإن أحب الورثة أن يدفعوا إليها حصتها من مهرها وهو سبعاه, ويعتق منها سبعاها ويسترقوا خمسة أسباعها فلهم ذلك وهذا مذهب الشافعي وقال أبو حنيفة: يحسب مهرها من قيمتها ولها ثلث الباقي, وتسعى فيما بقي وهو ثلث قيمتها فإن كان يملك مع الجارية قدر نصف قيمتها ولم يدخل بها عتق منها نصفها, ورق نصفها لأن نصفها هو ثلث المال وإن دخل بها عتق منها ثلاثة أسباعها, ولها ثلاثة أسباع مهرها وإنما قل العتق فيها لأنها لما أخذت ثلاثة أسباع مهرها نقص المال به, فيعتق منها ثلث الباقي وهو ثلاثة أسباعها وحسابها أن تقول: عتق منها شيء ولها بمهرها نصف شيء, وللورثة شيئان يعدل ذلك الجارية ونصف قيمتها فالشيء سبعاها وسبعا نصف قيمتها وهو ثلاثة أسباعه, فهو الذي عتق منها وتأخذ نصف ذلك من المال بمهرها وهو ثلاثة أسباعه فإن كان يملك معها مثل قيمتها, ولم يدخل بها عتق ثلثاها ورق ثلثها, وبطل نكاحها وإن كان دخل بها عتق أربعة أسباعها ولها أربعة أسباع مهرها ويبقى للورثة ثلاثة أسباعها وخمسة أسباع قيمتها, وذلك يعدل مثلي ما عتق منها وحسابها أن تجعل السبعة الأشياء معادلة لها ولقيمتها فيعتق منها بقدر سبعي الجميع وهو أربعة أسباعها, وتستحق سبع الجميع بمهرها وهو أربعة أسباع مهرها وإن كان يملك معها مثلي قيمتها عتقت كلها, وصح نكاحها لأنها تخرج من الثلث إن أسقطت مهرها وإن أبت أن تسقطه لم ينفذ عتقها, وبطل نكاحها فإن كان لم يدخل بها فينبغي أن يقضي بعتقها ونكاحها, ولا مهر لها لأن إيجابه يفضي إلى إسقاطه وإسقاط عتقها ونكاحها فإسقاطه وحده أولى وإن كان قد دخل بها عملنا فيها على ما تقدم, فيعتق ستة أسباعها ولها ستة أسباع مهرها ويبطل عتق سبعها ونكاحها ولو أعتقها, ولم يتزوجها ووطئها كان العمل فيها في هذه المواضع كما لو تزوجها وهذا مذهب الشافعي وذكر القاضي في مثل هذه المسألة: التي قبل الأخيرة, ما يقتضي صحة عتقها ونكاحها مع وجوب مهرها فإنه قال في من أعتق في مرضه أمة قيمتها مائة, وأصدقها مائتين لا مال له سواهما وهما مهر مثلها: يصح العتق والصداق والنكاح لأن المائتين صداق مثلها, وتزويج المريض بمهر المثل صحيح نافذ وهذا غير جيد فإن ذلك يفضي إلى نفوذ العتق في المرض من جميع المال ولا أعلم به قائلا ولو أنه أتلف المائتين أو أصدقهما لامرأة أجنبية, ومات ولم يخلف شيئا لبطل عتق ثلثي الأمة, فإذا أخذتهما هي كان أولى في بطلانه والصحيح ما ذكرنا ـ إن شاء الله تعالى ـ وقال أبو حنيفة فيما إذا ترك مثلي قيمتها وكان مهرها نصف قيمتها: تعطي مهرها وثلث الباقي, بحسب ذلك من قيمتها وهو نصفها وثلثها فيعتق ذلك, وتسعى في سدسها الباقي ويبطل نكاحها فأما إن خلف أربعة أمثال قيمتها صح عتقها ونكاحها وصداقها, في قول الجميع لأن ذلك يخرج من الثلث وترث من الباقي في قول أصحابنا وهو قول أبي حنيفة وقال الشافعي: لا ترث وهو مقتضى قول الخرقي لأنها لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث, واعتبار الوصية بالموت. ولو أن امرأة مريضة أعتقت عبدا قيمته عشرة وتزوجها بعشرة في ذمته ثم ماتت, وخلفت مائة اقتضى قول أصحابنا أن تضم العشرة التي في ذمته إلى المائة فيكون ذلك هو التركة ويرث نصف ذلك ويبقى للورثة خمسة وخمسون وهذا مذهب أبي حنيفة وقال صاحباه: تحسب عليه قيمته أيضا, وتضم إلى التركة ويبقى للورثة ستون وقال الشافعي: لا يرث شيئا وعليه أداء العشرة التي في ذمته لئلا يكون إعتاقه وصية لوارث وهذا مقتضى قول الخرقي, ـ إن شاء الله تعالى ـ . ولو تزوج المريض امرأة صداق مثلها خمسة فأصدقها عشرة لا يملك غيرها ثم مات, وورثته بطلت المحاباة لأنها وصية لوارث ولها صداقها وربع الباقي بالميراث وإن ماتت قبله, صحت المحاباة ويدخلها الدور فنقول: لها مهرها وهو خمسة, وشيء بالمحاباة يبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ثم رجع إليهم نصف مالها وهو ديناران, ونصف شيء صار لهم سبعة ونصف إلا نصف شيء يعدل شيئين اجبر وقابل, يتبين أن الشيء ثلاثة فيكون لورثتها أربعة ولورثته ستة وإن خلفت مع ذلك دينارين, عاد إلى الزوج من ميراثها ثلاثة ونصف شيء صار له ثمانية ونصف إلا نصف شيء اجبر وقابل, يخرج الشيء ثلاثة وخمسين فصار لورثته ستة وأربعة أخماس ولورثتها خمسة وخمس. وإذا أوصى بجارية لزوجها الحر, فقبلها انفسخ النكاح لأن النكاح لا يجتمع مع ملك اليمين وظاهر المذهب أن الموصى له إنما يملك بالقبول فحينئذ ينفسخ النكاح وفيه وجه آخر, أنه إذا قبل تبينا أن الملك كان ثابتا من حين موت الموصي فتبين حينئذ أن النكاح انفسخ من حين موت الموصي فإن أتت بولد لم تخل من ثلاثة أحوال: أحدها, أن تكون حاملا به حين الوصية ويعلم ذلك بأن تأتي به لأقل من ستة أشهر منذ أوصى فالصحيح أنه يكون موصى به معها لأن للحمل حكما, ولهذا تصح الوصية به وله وإذا صحت الوصية به منفردا صحت الوصية به مع أمه, فيصير كما لو كان منفصلا فأوصى بهما جميعا وفيه وجه آخر لا حكم للحمل فلا يدخل في الوصية, وإنما يثبت له الحكم عند انفصاله كأنه حدث حينئذ فعلى هذا إن انفصل في حياة الموصي فهو له, كسائر كسبها وإن انفصل بعد موته وقبل القبول فهو للورثة, على ظاهر المذهب وإن انفصل بعده فهو للموصى له الحال الثاني, أن تحمل به بعد الوصية في حياة الموصي ويعلم ذلك بأن تضعه بعد ستة أشهر من حين أوصى لأنها ولدته لمدة الحمل بعد الوصية فيحتمل أنها حملته بعدها فلم يتناوله والأصل عدم الحمل حال الوصية, فلا نثبته بالشك فيكون مملوكا للموصي إن ولدته في حياته وإن ولدته بعده وقلنا: للحمل حكم فكذلك وإن قلنا: لا حكم له فهو للورثة إن ولدته قبل القبول, ولا بينة إن وضعته بعده وكل موضع كان الولد للموصى له فإنه يعتق عليه لأنه ابنه وعليه ولاء لأبيه لأنه عتق عليه بالقرابة, وأمه أمة ينفسخ نكاحها بالملك ولا تصير أم ولد لأنها لم تعلق منه بحر في ملكه الحال الثالث أن تحمل بعد موت الموصي وقبل القبول, ويعلم ذلك بأن تضعه لأكثر من ستة أشهر من حين الموت فإن وضعته قبل القبول أيضا فهو للوارث, في ظاهر المذهب لأن الملك إنما ثبت للموصى له بعد القبول وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له وإن وضعته بعد القبول فكذلك لأن الظاهر أن للحمل حكما, فيكون حادثا عن ملك الوارث وعلى الوجه الآخر يكون للموصى له فعلى هذا يكون حرا لا ولاء عليه لأنها أم ولد, لكونها علقت منه بحر في ملكه فيصير كما لو حملت به بعد القبول ومذهب الشافعي في هذا الفصل قريب مما قلناه وقال أبو حنيفة: إذا وضعته بعد موت الموصي دخل في الوصية بكل حال لأنها تستقر بالموت وتلزم, فوجب أن تسري إلى الولد كالاستيلاد ولنا أنها زيادة منفصلة حادثة بعد عقد الوصية, فلا تدخل فيها كالكسب وإذا أوصى بعتق جارية فولدت وتفارق الاستيلاد لأن له تغليبا وسراية وهذا التفريع فيما إذا خرجت الجارية من الثلث, وإن لم تخرج من الثلث ملك منها بقدر الثلث وانفسخ النكاح لأن ملك بعضها يفسخ النكاح, كملك جميعها وكل موضع يكون الولد فيه لأبيه فإنه يكون له منه ها هنا بقدر ما ملك من أمه ويسري العتق إلى باقيه إن كان موسرا, وإن كان معسرا فقد عتق منه ما ملك وحده وكل موضع قلنا: تكون أم ولد فإنها تصير أم ولد ها هنا سواء كان موسرا أو معسرا على قول الخرقي كما إذا استولد الأمة المشتركة قال القاضي: تصير منها أم ولد بقدر ما ملك منها وهذا مذهب الشافعي. : قال: [فإن مات الموصى له قبل موت الموصي, بطلت الوصية] هذا قول أكثر أهل العلم روى ذلك عن علي رضي الله عنه وبه قال الزهري وحماد بن أبي سليمان, وربيعة ومالك والشافعي, وأصحاب الرأي وقال الحسن: تكون لولد الموصى له وقال عطاء: إذا علم الموصي بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئا فهو لوارث الموصى له لأنه مات بعد عقد الوصية, فيقوم الوارث مقامه كما لو مات بعد موت الموصي وقبل القبول ولنا أنها عطية صادفت المعطي ميتا, فلم تصح كما لو وهب ميتا وذلك لأن الوصية عطية بعد الموت وإذا مات قبل القبول بطلت الوصية أيضا وإن سلمنا صحتها, فإن العطية صادفت حيا بخلاف مسألتنا. ولا تصح الوصية لميت وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وقال مالك: إن علم أنه ميت, فهي جائزة وهي لورثته بعد قضاء ديونه وتنفيذ وصاياه لأن الغرض نفعه بها وبهذا يحصل له النفع, فأشبه ما لو كان حيا ولنا أنه أوصى لمن لا تصح الوصية له إذا لم يعلم, فلم تصح إذا علم كالبهيمة وفارق الحي فإن الوصية تصح له في الحالين ولأنه عقد يفتقر إلى القبول, فلم يصح للميت كالهبة إذا ثبت هذا فإذا أوصى بثلثه, أو بمائة لاثنين حي وميت فللحي نصف الوصية سواء علم موت الميت أو جهله وهذا قول أبي حنيفة, وإسحاق والبصريين وقال الثوري وأبو يوسف, ومحمد: إذا قال: هذه المائة لفلان وفلان فهي للحي منهما وإن قال: بين فلان وفلان فوافقنا الثوري في أن نصفها للحي وعن الشافعي كالمذهبين وقال أبو الخطاب: عندي أنه إذا علمه ميتا فالجميع للحي وإن لم يعلمه ميتا, فللحي النصف وقد نقل عن أحمد ما يدل على هذا القول فإنه قال في رواية ابن القاسم: إذا أوصى لفلان وفلان بمائة فبان أحدهما ميتا, فللحي خمسون فقيل له: أليس إذا قال: ثلثي لفلان وللحائط أن الثلث كله لفلان؟ فقال: وأي شيء يشبه هذا الحائط له ملك, فعلى هذا إذا شرك بين من تصح الوصية له ومن لا تصح مثل أن يوصى لفلان وللملك وللحائط أو لفلان الميت, فالموصي به كله لمن تصح الوصية له إذا كان عالما بالحال لأنه إذا شرك بينهما في هذه الحال علم أنه قصد بالوصية كلها من تصح الوصية له وإن لم يعلم الحال فلمن تصح الوصية له نصفها لأنه قصد إيصال نصفها إليه, وإلى الآخر النصف الآخر ظنا منه أن الوصية له صحيحة فإذا بطلت الوصية في حق أحدهما, صحت في حق الآخر بقسطه كتفريق الصفقة ووجه القول الأول أنه جعل الوصية لاثنين, فلم يستحق أحدهما جميعها كما لو كانا ممن تصح الوصية لهما فمات أحدهما أو كما لو لم يعلم الحال فأما إن وصى لاثنين حيين, فمات أحدهما فللآخر نصف الوصية لا نعلم في هذا خلافا وكذلك لو بطلت الوصية في حق أحدهما لرده لها أو لخروجه عن أن يكون من أهلها ولو قال: أوصيت لكل واحد من فلان وفلان بنصف الثلث أو بنصف المائة, أو بخمسين لم يستحق أحدهما أكثر من نصف الوصية سواء كان شريكه حيا أو ميتا لأنه عين وصيته في النصف فلم يكن له حق فيما سواه. قال: [وإن رد الموصى له الوصية, بعد موت الموصي بطلت الوصية) لا يخلو إذا رد الوصية من أربعة أحوال أحدها أن يردها قبل موت الموصي, فلا يصح الرد ها هنا لأن الوصية لم تقع بعد فأشبه رد المبيع قبل إيجاب البيع ولأنه ليس بمحل للقبول, فلا يكون محلا للرد كما قبل الوصية والثانية أن يردها بعد الموت, وقبل القبول فيصح الرد وتبطل الوصية لا نعلم فيه خلافا لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه, فأشبه عفو الشفيع عن الشفعة بعد البيع والثالثة أن يرد بعد القبول والقبض فلا يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه, فأشبه رده لسائر ملكه إلا أن يرضي الورثة بذلك فتكون هبة منه لهم تفتقر إلى شروط الهبة والرابعة, أن يرد بعد القبول وقبل القبض فينظر فإن كان الموصي به مكيلا أو موزونا صح الرد لأنه لا يستقر ملكه عليه قبل قبضه, فأشبه رده قبل القبول وإن كان غير ذلك لم يصح الرد لأن ملكه قد استقر عليه, فهو كالمقبوض ويحتمل أن يصح الرد بناء على أن القبض معتبر فيه ولأصحاب الشافعي في هذه الحال وجهان أحدهما يصح الرد في الجميع, ولا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما وهذا المنصوص عن الشافعي لأنهم لما ملكوا الرد من غير قبول ملكوا الرد من غير قبض ولأن ملك الوصي لم يستقر عليه قبل القبض, فصح رده كما قبل القبول والثاني لا يصح الرد لأن الملك يحصل بالقبول من غير قبض. ويحصل الرد بقوله: رددت الوصية وقوله: لا أقبلها وما أدى هذا المعني قال أحمد: إذا قال أوصيت لرجل بألف, فقال: لا أقبلها فهي لورثته يعني لورثة الموصي. : قال: [فإن مات قبل أن يقبل أو يرد قام وارثه في ذلك مقامه إذا كان موته بعد موت الموصي ] اختلف أصحابنا فيما إذا مات الموصى له قبل القبول والرد, بعد موت الموصي فذهب الخرقي إلى أن وارثه يقوم مقامه في القبول والرد لأنه حق ثبت للموروث فثبت للوارث بعد موته لقوله عليه السلام: (من ترك حقا فلورثته) وكخيار الرد بالعيب, وذهب أبو عبد الله بن حامد إلى أن الوصية تبطل لأنه عقد يفتقر إلى القبول فإذا مات من له القبول قبله بطل العقد, كالهبة قال القاضي: هو قياس المذهب لأنه خيار لا يعتاض عنه فبطل بالموت كخيار المجلس والشرط وخيار الأخذ بالشفعة وقال أصحاب الرأي: تلزم الوصية في حق الوارث, وتدخل في ملكه حكما بغير قبول لأن الوصية قد لزمت من جهة الموصي وإنما الخيار للموصى له فإذا مات, بطل خياره ودخل في ملكه كما لو اشترى شيئا على أن الخيار له, فمات قبل انقضائه ولنا على أن الوصية لا تبطل بموت الموصى له أنها عقد لازم من أحد الطرفين, فلم تبطل بموت من له الخيار كعقد الرهن والبيع إذا شرط فيه الخيار لأحدهما ولأنه عقد لا يبطل بموت الموجب له, فلا يبطل بموت الآخر كالذي ذكرنا ويفارق الهبة والبيع قبل القبول من الوجهين اللذين ذكرناهما, وهو أنه جائز من الطرفين ويبطل بموت الموجب له ولا يصح قياسه على الخيارات لأنه لم يبطل الخيار, ويلزم العقد فنظيره في مسألتنا قول أصحاب الرأي ولنا على إبطال قولهم أنه عقد يفتقر إلى قبول المتملك, فلم يلزم قبل القبول كالبيع والهبة إذا ثبت هذا فإن الوارث يقوم مقام الموصى له في القبول والرد لأن كل حق مات عنه المستحق فلم يبطل بالموت, قام الوارث فيه مقامه فعلى هذا إن رد الوارث الوصية بطلت وإن قبلها صحت, وثبت الملك بها وإن كان الوارث جماعة اعتبر القبول أو الرد من جميعهم فإن رد بعضهم وقبل بعض, ثبت للقابل حصته وبطلت الوصية في حق من رد فإن كان فيهم من ليس من أهل التصرف قام وليه مقامه في القبول والرد, وليس له أن يفعل إلا ما للمولى عليه الحظ فيه فإن فعل غيره لم يصح فإذا كان الحظ في قبولها فردها, لم يصح رده وكان له قبولها بعد ذلك وإن كان الحظ في ردها فقبلها لم يصح قبوله لأن الولي لا يملك التصرف في حق المولى عليه بغير ما له الحظ فيه فلو أوصى لصبي بذي رحم له يعتق بملكه له, وكان على الصبي ضرر في ذلك بأن تلزمه نفقة الموصي به لكونه فقيرا لا كسب له, والمولى عليه موسر لم يكن له قبول الوصية وإن لم يكن عليه ضرر لكون الموصي به ذا كسب, أو كون المولى عليه فقيرا لا تلزمه نفقته تعين قبول الوصية لأن في ذلك نفعا للمولى عليه لعتق قرابته, وتحريره من غير ضرر يعود عليه فتعين ذلك والله أعلم. ولا يملك الموصى له الوصية إلا بالقبول, في قول جمهور الفقهاء إذا كانت لمعين يمكن القبول منه لأنها تمليك مال لمن هو من أهل الملك متعين فاعتبر قبوله, كالهبة والبيع قال أحمد: الهبة والوصية واحد فأما إن كانت لغير معين كالفقراء والمساكين ومن لا يمكن حصرهم, كبني هاشم وتميم أو على مصلحة كمسجد أو حج لم يفتقر إلى قبول, ولزمت بمجرد الموت لأن اعتبار القبول من جميعهم متعذر فيسقط اعتباره كالوقف عليهم, ولا يتعين واحد منهم فيكتفى بقبوله ولذلك لو كان فيهم ذو رحم من الموصي به مثل أن يوصي بعبد للفقراء وأبوه فقير, لم يعتق عليه ولأن الملك لا يثبت للموصى لهم بدليل ما ذكرنا من المسألة: وإنما ثبت لكل واحد منهم بالقبض, فيقوم قبضه مقام قبوله أما الآدمي المعين فيثبت له الملك فيعتبر قبوله, لكن لا يتعين القبول باللفظ بل يجزئ ما قام مقامه من الأخذ والفعل الدال على الرضا كقولنا في الهبة والبيع ويجوز القبول على الفور والتراخي ولا يكون إلا بعد موت الموصي لأنه قبل ذلك لم يثبت له حق, ولذلك لم يصح رده فإذا قبل ثبت الملك له من حين القبول في الصحيح من المذهب وهو قول مالك, وأهل العراق وروي عن الشافعي وذكر أبو الخطاب في المسألة: وجها آخر أنه إذا قبل تبينا أن الملك ثبت حين موت الموصي وهو ظاهر مذهب الشافعي لأن ما وجب انتقاله بالقبول, وجب انتقاله من جهة الموجب عند الإيجاب كالهبة والبيع ولأنه لا يجوز أن يثبت الملك فيه للوارث لأن الله تعالى قال: وتصح الوصية مطلقة ومقيدة فالمطلقة أن يقول: إن مت فثلثي للمساكين, أو لزيد والمقيدة أن يقول: إن مت من مرضي هذا أو في هذه البلدة أو في سفري هذا, فثلثي للمساكين فإن برأ من مرضه أو قدم من سفره أو خرج من البلدة, ثم مات بطلت الوصية المقيدة وبقيت المطلقة قال أحمد, في من وصى وصية إن مات من مرضه هذا أو من سفره هذا ولم يغير وصيته ثم مات بعد ذلك: فليس له وصية وبهذا قال الحسن, والثوري والشافعي وأبو ثور, وأصحاب الرأي وقال مالك: إن قال قولا ولم يكتب كتابا فهو كذلك, وإن كتب كتابا ثم صح من مرضه وأقر الكتاب, فوصيته بحالها ما لم ينقضها ولنا أنها وصية بشرط لم يوجد شرطها, فبطلت كما لو لم يكتب كتابا أو كما لو وصى لقوم فماتوا قبله, ولأنه قيد وصيته بقيد فلا يتعداه كما ذكرنا وإن قال لأحد عبديه: أنت حر بعد موتي وقال للآخر: أنت حر إن مت في مرضي هذا فمات في مرضه, فالعبدان سواء في التدبير وإن برأ من مرضه ذلك بطل تدبير المقيد وبقي تدبير المطلق بحاله ولو وصى لرجل بثلثه, وقال: إن مت قبلي فهو لعمرو صحت وصيته على حسب ما شرطه له وكذلك في سائر الشروط فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: (المسلمون على شروطهم).
|